بإعلانهما التوصل إلى صفقة تجارية في الأيام القليلة الماضية، دعت الولايات المتحدة والصين في واقع الحال إلى هدنة بينهما بعد حرب تجارية. وبدلاً من حرب الرسوم الجمركية، سيحل الآن نوع من «السلام المسلح» فيما عرف باتفاق «المرحلة1» الذي يخفض فيه الطرفان بعض الرسوم، بينما يبقيان على رسوم أخرى كما هي.
وفي احتفال في البيت الأبيض، وقع الرئيس دونالد ترامب ونائب الرئيس الصيني «ليو هي» اتفاقاً مؤلفاً من 90 صفحة، يستهدف حماية الملكية الفكرية الأميركية وينهي النقل القسري للتكنولوجيا إلى الشركاء الصينيين، ويقلص العراقيل الصينية أمام الواردات الزراعية والخدمات المالية الأميركية ويكبح عمليات تخفيض قيمة العملة. وبموجب الصفقة، وافقت الصين أيضاً على شراء بضائع وخدمات أميركية بما لا يقل عن 200 مليار دولار في العامين المقبلين.
وهذا يرقى إلى فوز للرئيس الذي سعى لفترة طويلة إلى تقليص عجز تجاري متفاقم مع الصين، رأي أنه المتسبب في خسارة الوظائف في الصناعة الأميركية. لكن الصفقة توضح أيضاً قصور سياسته الخاصة بالاعتماد على الرسوم الجمركية وحدها. فدون مجموعة أوسع من الأدوات الدبلوماسية، لا يُرجح أن تحسم الإدارة القضايا الأكثر إثارة للخلاف في لب المأزق الصيني الأميركي، بما في ذلك الدعم والسياسات التي تحابي الشركات الصينية داخل بلادها. ويمثل اتفاق المرحلة الأولى خطوة في الاتجاه الصحيح من عدة نواح. فهو لا ينهي فحسب التصعيد المتبادل في الرسوم، بل يضع محله عدداً من الآليات التنفيذية التي تجعل من الصعب على أي طرف النكوص عن ما تم الاتفاق عليه. والاتفاق يمهد أيضاً لإقامة مكتب جديد لحسم النزاعات.
وبدأ الصراع في مثل هذا الشهر قبل عامين، حين فرض الرئيس ترامب رسوماً على الغسالات وألواح توليد الطاقة الشمسية المستوردة من الصين. وبعد شهرين، استهدف وارداتها من الصلب والألمنيوم. ولطالما شكا ترامب من أن ممارسات الصين التجارية تتسبب في أن تستورد الولايات المتحدة سلعاً وخدمات من الصين أكثر مما تصدر لها بفارق 380 مليار دولار. وذكر معظم الاقتصاديين أن العجز ليس سيئاً بحد ذاته للولايات المتحدة. وأشار منتقدون للسياسة التجارية الأميركية إلى أن نقل الصناعات الأميركية إلى الصين وإلى مناطق إنتاج أخرى منخفضة الكلفة، هو ما أثّر سلباً، وبشدّة، على كثير من المناطق الأميركية.
وفي أبريل 2018، ردت بكين بفرض رسوم بنسبة 25% على أكثر من 100 منتج أميركي، بما في ذلك الطائرات وفول الصويا. وصعدت الولايات المتحدة الإجراءات في يوليو، وهكذا استمرت دورة التصعيد. وحتى نهاية العام الماضي، كانت إدارة ترامب قد فرضت رسوماً على واردات صينية قيمتها الإجمالية 360 مليار دولار، وكانت تستهدف فرض رسوم على واردات قيمتها 160 مليار دولار أخرى. وفرضت الصين بالمثل رسوماً على بضائع أميركية قيمتها 110 مليارات دولار. وكان هذا هو الحال قبل التوصل إلى الاتفاق الذي أنهى التصعيد.
وفي الاتفاق الجديد، تعهدت الولايات المتحدة ألا تطبق الزيادة في الرسوم التي هددت بها، وأن تقلص الرسوم التي فرضتها في الأول من سبتمبر الماضي على سلع صينية من 15% إلى 7.5% الشهر المقبل.
وأكد نائب الرئيس الصيني في المؤتمر الصحفي، تعهّد بلاده بشراء منتجات زراعية أميركية بما لا تقل قيمته عن 40 مليار دولار سنوياً، بدءاً من العامين التاليين. ومازال الاقتصاديون يشككون في التزام الصين بشراء منتجات زراعية قيمتها 40 مليار دولار، ناهيكم عن شراء منتجات أميركية الصنع بمبلغ 200 مليار. ويعتقد باتريك ويستهوف، مدير معهد أبحاث سياسة الزراعة والغذاء في جامعة ميزوري، أنه من الممكن أن يضاعف الصينيون فعلياً شراء البضائع الزراعية الأميركية التي كانوا يشترون منها بنحو 20 مليار دولار قبل عام 2018، لكن هذا يعني توقف الصين عن التعامل مع موردين آخرين، مما يثير نزاعات تجارية محتملة في مناطق أخرى.
وإذا كان التوصل إلى صفقة المرحلة الأولى صعباً، فمن المرجح أن يكون التوصل إلى اتفاق المرحلة الثانية أصعب بكثير، لأن القضايا المعلقة في المرحلة الثانية تمس لب النزاع الصيني الأميركي، وتحديداً الخلاف الشديد على الطريقة الملائمة لعمل الاقتصاد. فالغرب ينظر إلى زيادة التجارة باعتباره ربحاً وكفى، لكن هذا في الصين يأتي في مرتبة ثانية بعد الأولويات الاقتصادية القومية والرقابة السياسية على الاقتصاد. ومن ثم لم تتم معالجة قضايا مثل أهداف الصين في تحقيق تقدم تكنولوجي مدعوم بمساعدات حكومية للشركات.
وهناك سؤال كبير يتعلق بالطريقة التي ستتابع بها الولايات المتحدة الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق المرحلة الثانية. وظهر في الأيام القليلة الماضية ما يشير إلى احتمال أن تستعين الولايات المتحدة بحلفائها المحوريين في مسعى الضغط على الصين لتغير نهجها الاقتصادي. فقد أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان في الأيام القليلة الماضية بياناً مشتركاً دعوا فيه إلى اتباع قواعد تجارية أشد صرامة على الإعانات الحكومية للشركات، وهي نقطة محورية في النزاع القائم بين الصين والغرب.
لوران بيلسي
صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
وفي احتفال في البيت الأبيض، وقع الرئيس دونالد ترامب ونائب الرئيس الصيني «ليو هي» اتفاقاً مؤلفاً من 90 صفحة، يستهدف حماية الملكية الفكرية الأميركية وينهي النقل القسري للتكنولوجيا إلى الشركاء الصينيين، ويقلص العراقيل الصينية أمام الواردات الزراعية والخدمات المالية الأميركية ويكبح عمليات تخفيض قيمة العملة. وبموجب الصفقة، وافقت الصين أيضاً على شراء بضائع وخدمات أميركية بما لا يقل عن 200 مليار دولار في العامين المقبلين.
وهذا يرقى إلى فوز للرئيس الذي سعى لفترة طويلة إلى تقليص عجز تجاري متفاقم مع الصين، رأي أنه المتسبب في خسارة الوظائف في الصناعة الأميركية. لكن الصفقة توضح أيضاً قصور سياسته الخاصة بالاعتماد على الرسوم الجمركية وحدها. فدون مجموعة أوسع من الأدوات الدبلوماسية، لا يُرجح أن تحسم الإدارة القضايا الأكثر إثارة للخلاف في لب المأزق الصيني الأميركي، بما في ذلك الدعم والسياسات التي تحابي الشركات الصينية داخل بلادها. ويمثل اتفاق المرحلة الأولى خطوة في الاتجاه الصحيح من عدة نواح. فهو لا ينهي فحسب التصعيد المتبادل في الرسوم، بل يضع محله عدداً من الآليات التنفيذية التي تجعل من الصعب على أي طرف النكوص عن ما تم الاتفاق عليه. والاتفاق يمهد أيضاً لإقامة مكتب جديد لحسم النزاعات.
وبدأ الصراع في مثل هذا الشهر قبل عامين، حين فرض الرئيس ترامب رسوماً على الغسالات وألواح توليد الطاقة الشمسية المستوردة من الصين. وبعد شهرين، استهدف وارداتها من الصلب والألمنيوم. ولطالما شكا ترامب من أن ممارسات الصين التجارية تتسبب في أن تستورد الولايات المتحدة سلعاً وخدمات من الصين أكثر مما تصدر لها بفارق 380 مليار دولار. وذكر معظم الاقتصاديين أن العجز ليس سيئاً بحد ذاته للولايات المتحدة. وأشار منتقدون للسياسة التجارية الأميركية إلى أن نقل الصناعات الأميركية إلى الصين وإلى مناطق إنتاج أخرى منخفضة الكلفة، هو ما أثّر سلباً، وبشدّة، على كثير من المناطق الأميركية.
وفي أبريل 2018، ردت بكين بفرض رسوم بنسبة 25% على أكثر من 100 منتج أميركي، بما في ذلك الطائرات وفول الصويا. وصعدت الولايات المتحدة الإجراءات في يوليو، وهكذا استمرت دورة التصعيد. وحتى نهاية العام الماضي، كانت إدارة ترامب قد فرضت رسوماً على واردات صينية قيمتها الإجمالية 360 مليار دولار، وكانت تستهدف فرض رسوم على واردات قيمتها 160 مليار دولار أخرى. وفرضت الصين بالمثل رسوماً على بضائع أميركية قيمتها 110 مليارات دولار. وكان هذا هو الحال قبل التوصل إلى الاتفاق الذي أنهى التصعيد.
وفي الاتفاق الجديد، تعهدت الولايات المتحدة ألا تطبق الزيادة في الرسوم التي هددت بها، وأن تقلص الرسوم التي فرضتها في الأول من سبتمبر الماضي على سلع صينية من 15% إلى 7.5% الشهر المقبل.
وأكد نائب الرئيس الصيني في المؤتمر الصحفي، تعهّد بلاده بشراء منتجات زراعية أميركية بما لا تقل قيمته عن 40 مليار دولار سنوياً، بدءاً من العامين التاليين. ومازال الاقتصاديون يشككون في التزام الصين بشراء منتجات زراعية قيمتها 40 مليار دولار، ناهيكم عن شراء منتجات أميركية الصنع بمبلغ 200 مليار. ويعتقد باتريك ويستهوف، مدير معهد أبحاث سياسة الزراعة والغذاء في جامعة ميزوري، أنه من الممكن أن يضاعف الصينيون فعلياً شراء البضائع الزراعية الأميركية التي كانوا يشترون منها بنحو 20 مليار دولار قبل عام 2018، لكن هذا يعني توقف الصين عن التعامل مع موردين آخرين، مما يثير نزاعات تجارية محتملة في مناطق أخرى.
وإذا كان التوصل إلى صفقة المرحلة الأولى صعباً، فمن المرجح أن يكون التوصل إلى اتفاق المرحلة الثانية أصعب بكثير، لأن القضايا المعلقة في المرحلة الثانية تمس لب النزاع الصيني الأميركي، وتحديداً الخلاف الشديد على الطريقة الملائمة لعمل الاقتصاد. فالغرب ينظر إلى زيادة التجارة باعتباره ربحاً وكفى، لكن هذا في الصين يأتي في مرتبة ثانية بعد الأولويات الاقتصادية القومية والرقابة السياسية على الاقتصاد. ومن ثم لم تتم معالجة قضايا مثل أهداف الصين في تحقيق تقدم تكنولوجي مدعوم بمساعدات حكومية للشركات.
وهناك سؤال كبير يتعلق بالطريقة التي ستتابع بها الولايات المتحدة الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق المرحلة الثانية. وظهر في الأيام القليلة الماضية ما يشير إلى احتمال أن تستعين الولايات المتحدة بحلفائها المحوريين في مسعى الضغط على الصين لتغير نهجها الاقتصادي. فقد أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان في الأيام القليلة الماضية بياناً مشتركاً دعوا فيه إلى اتباع قواعد تجارية أشد صرامة على الإعانات الحكومية للشركات، وهي نقطة محورية في النزاع القائم بين الصين والغرب.
لوران بيلسي
صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»